استخدام المنهج المقارن في العلوم القانونية
لقد استخدم المنهج المقارن في نطاق العلوم القانونية منذ عهد أرسطو وغيره من الفلاسفة الآخرين؛ لذلك ارتكزت عليه الدراسات والممارسات القانونية في مجال القانون الدستوري والقانون المقارن، الأمر الذي جعله يساهم في بناء المنظومة القانونية من خلال ثلاثة أساليب مختلفة (أولا)، الأمر الذي جعل هذا المنهج يفيد الباحثين و المحامين والقضاة و غيرهم من الأشخاص في الاستفادة من نتائج المقارنات القانونية (ثانيا).
أولا: دور المنهج المقارن في بناء المنظومة القانونية
إن الاعتماد على المنهج المقارن في بناء المنظومة القانونية قد أخذ مرحلتين مختلفين، المرحلة الأولى منهما أخذ فيها الكثير من فلاسفة القانون؛ كأرسطو و مونتسكيو وماكس فيبر و ميكيافيلي بمعالجة موضوعات القانون الدستوري ، أما المرحلة الثانية فقد ظهرت بشكل جلي خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؛ وفيها ساهمت المقارنات القانونية في بلورة القانون المقارن والكشف عن الأساليب المستخدمة في المقارنة القانونية.
1: استخدام المنهج المقارن في تطور القانون الدستوري
منذ عهد أرسطو و مونتسكيو ؛ تمثلت موضوعات القانون الدستوري التي عالجها هؤلاء الفلاسفة باستخدام المنهج المقارن في: أنواع الدساتير (أ)، أصناف الدول و الأنظمة السياسية (ج)، أنواع السلطات الحاكمة (ج).
أ: استخدام المنهج المقارن في مقارنة الدساتير
لقد ساعد المنهج المقارن بشكل كبير في تطور القانون الدستوري؛ فقد استخدمه اليونانيين من أجل المقارنة بين الأنظمة السياسية للمدن اليونانية وذلك لتبني الأنظمة المثلي، ولذلك قام أرسطو بمقارنة 158 دستور من دساتير هذه المدن، معتمدا في ذلك على مبدأ الضرورة القائم على خصوصية كل دولة. وهذا ما جعل أرسطو يخلص إلى وضع تقسيم سداسي يشمل كل أنواع الدساتير والأنظمة فوضع ثلاث دساتير صالحة هي: الملكية، الارستقراطية، الحكومة الدستورية، تقابلها ثلاث أنظمة صالحة هي: حكم الطاغية، الارستقراطية، الحكومة الدستورية، تقابلها ثلاث أنظمة فاسدة هي: حكم الطاغية، الحكم الأوليغارشي، حكم الديمقراطية الغوغائية.
ب: استخدام المنهج المقارن في تصنيف الدول والأنظمة السياسية
ميز ميكيافيلي"1469- 1527م" في مقارنته بين ثلاثة أصناف من الدول هي: الدولة التي يحكمها ملك واحد، الدولة الأرستقراطية التي تحكمها أقلية النبلاء، الدولة الديمقراطية وهي التي ترجع فيها السيادة للشعب، كما صنف مونتسكيو"1689- 1755" الأنظمة السياسية إلى جمهورية ملكية، دستورية و استبدادية وأكد في مقارنته هذه أن تصنيفه هذا يقوم على أساس الممارسة الفعلية التي تتم داخل النظام فالجمهورية في نظره هي التي تسود فيها العدالة والقانون وتصان فيها الحريات الخاصة والعامة.
وهذا هو الأمر جعل جون ستيوارت مل "1806- 1873م" يقول بأن: "المنهج المقارن الحقيقي يعني مقارنة نظامين سياسيين متماثلين في كل الظروف و لكنهما يختلفان في عنصر واحد، حتى يمكن تتبع نتائج هذا الاختلاف"، مستدلا على ذلك بمثال نموذجي عن دولتين لهما نفس النظام القانوني والخلفية الثقافية والتركيبة السكانية والموارد الطبيعية ولكنهما يختلفان في عنصر واحد هو وجود التخطيط في دولة واحدة فقط دون الأخرى، ولذاك اعتبر ميل أن هذا الفارق هو الذي يفسر لنا اتساع الهوة بين الدولتين على المستوى الاقتصادي، وهذا بدوره يجعلنا نتوصل إلى تكريس العلاقة السببية التفسيرية بين التخطيط والرفاهية الإقتصادية.
ج: استخدام المنهج المقارن في تصنيف السلطات السياسية
علاوة على الموضوعات التي عالجها أرسطو و مونتسكيو و ميكيافيلي، ميز أيضا ماكس فيبر "1864- 1920" بين ثلاثة أنواع من السلطات هي: السلطة الكاريزماتية التي يمارسها أشخاص تكون لهم قدرات ذهنية وشخصية كبيرة وخارقة يخضع لها المحكومين، السلطة التنفيذية التي تستند في أحكامها على العادات والتقاليد والأعراف السائدة في بلد معين، السلطة القانونية التي يستمد فيها الحاكم شرعيته من القانون وهي السلطة التي تعمل بها المجتمعات المتقدمة .
2: استخدام المنهج المقارن في تطور القانون المقارن
لقد كشف استخدام المنهج المقارن في نطاق العلوم القانونية عن بلورة القانون المقارن وتأسيسه (أ)، كما كشف هذا الاستخدام عن أساليب المقارنة القانونية (ب)
أ: استخدام المنهج المقارن في بلورة القانون المقارن
لقد احتل المنهج المقارن أهمية خاصة في مجال الدراسات القانونية، وبناء عليه ظهر القانون المقارن كميدان من ميادين البحث والدراسة وكعلم قائم بذاته، وأصبح موضوعا من موضوعات الدراسة القانونية التي يتم استخدامها فيها من أجل دراسة و تفسير مختلف فروع القانون ؛ فالمقارنة القانونية قد ساهمت في بلورة القانون المقارن الذي هو ثمرة قانون بدأ منذ القرن الثامن عشر ميلادي على يد مؤسسه الفيلسوف المشهور مونتسكيو الذي اعتبره في كتابه "روح القوانين" الصادر سنة 1748 علما قانونيا منفردا ، كما عرف القانون المقارن أيضا تطورا معتبرا خلال القرن التاسع عشر بتأسيس جمعية التشريع المقارن بباريس سنة 1869، وانعقاد المؤتمر الأول للقانون المقارن بمدينة باريس سنة 1900 .
ب: دور المنهج المقارن في الكشف عن أساليب المقارنة القانونية
لقد كشفت المقارنات القانونية عن وجود ثلاثة أساليب من المقارنة هي:
أسلوب المقارنة العامة: هو أسلوب يتم التطرق فيه إلى الموضوع محل البحث في القوانين والأنظمة المعمول بها، ثم بعد ذلك يتناول الباحث المشكلة المثارة في بقية أجزاء البحث دون إعادة التطرق إلى القوانين محل المقارنة بشكل تفصيلي.
أسلوب المقارنة الأفقية: هو أسلوب يقوم على بحث المسألة محل المقارنة في كل قانون أو نظام قانوني على حدة، بحيث لا يتعرض الباحث لموقف القانون أو النظام القانوني الأخر حتى ينتهي من بحث المسألة في القانون أو النظام القانوني الأول .
أسلوب المقارنة العمودية "الرأسية": فيها يتناول الباحث كل جزئية من جزئيات البحث في كل القوانين أو الأنظمة القانونية التي يقارن بينها في آن واحد، وهذا ما يجعل هذه المقارنة تبتعد عن التكرار وتقطيع أوصال البحث إضافة إلى أنها تؤدي إلى حسن سهولة وإدراك أوجه الاختلاف أو الاتفاق بين القوانين أو الأنظمة المقارنة.
ثانيا: دور المنهج المقارن في مجال القانون
يقصد بدور المنهج المقارن في مجال القانون استخداماته القانونية المتعددة أو كيفية الاستفادة منه في مختلف مجالات الحياة، سواء من قبل المشرعين في عمليات وضع القوانين وتعديلها (1)، أو من قبل المحامين في الدفاع عن المتهمين والضحايا (2) أو من قبل الباحثين في عمليات إعداد البحوث القانونية (3).
1: استخدام المنهج المقارن في وضع القانون
يحتل المنهج المقارن أهمية خاصة في نطاق عمليات سن التشريعات أو وضعها بصفة نهائية، حيث انه يمكن الباحثين من الإطلاع على تجارب النظم القانونية الأخرى ومقارنتها بالنظم الوطنية مما يمكنهم من الكشف عن أوجه الاتفاق أو الاختلاف أو القصور بين هذه النظم، ومن ثمة يمكن هؤلاء الباحثين أن يضعوا بين أيدي المشرعين أفضل الحلول ليستعينوا بها إذا ما أرادوا أن يعدلوا النظم والقوانين القائمة أو يضعوا نظم وقوانين جديدة ، الأمر الذي يكشف أن المنهج المقارن يتيح الفرصة أمام صانعي التشريع أو واضعي القوانين من الاستفادة مما هو موجود في القوانين والأنظمة القانونية النافذة، أو في الاستفادة من العادات والأعراف السائدة مثلما فعل المشرع حمورابي حينما توصل إلى قانونه المشهور بعدما قام بالمقارنة بين العادات والنظم القائمة .
2: استخدام المنهج المقارن في الدفاع أمام القضاء
يعتبر حق الدفاع على المتهمين والضحايا أو على المدعين و المدعى عليهم من أقدم الحقوق التي جاءت بها الشرائع السماوية ونادت بها المواثيق الدولية والدساتير الوطنية، لأن الدفاع رسالة سامية جليلة لها أهمية كبيرة في حفظ حقوق الفرد وكرامته[47]، ولهذا يتوجب على المحامين المقارنة بين النصوص القانونية أو الاجتهادات القضائية أو أقوال الشراح حتى يتمكنوا من الدفاع على مختلف الوسائل التي تعرض على المحاكم[48]، فكل المحامون حينما يحاولون الحصول على استنتاجات في قضية ما، فإنهم يقارنون بين أحكام المحاكم أو يقارنون بين النصوص القانونية من أجل إيجاد نقاط التشابه والاختلاف والنظر التي تساعدهم في الدفاع ، الأمر الذي يبين أن المنهج المقارن يساعد المحامين في الدفاع أمام القضاء.
3: استخدام المنهج المقارن في اعداد البحوث القانونية
يتم استخدام المنهج المقارن من قبل رجال القانون أو الباحثين في مجال القانون في نسقين مختلفتين، نسق أول يتم فيه استخدامه كمنهج رئيسي في البحث (أ)، أما النسق الثاني فيستخدم فيه كمنهج مساعد (ب).
أ: استخدام المنهج المقارن كمنهج رئيسي
إن استخدام المنهج المقارن كمنهج رئيسي في البحوث القانونية، يجعل الدراسة في هذه الحالة دراسة مقارنة يتوجب فيها على الباحثين الأخذ بأسلوب من أساليب المقارنة المتمثلة في: المقارنة العامة أو المقارنة الأفقية أو المقارنة الرأسية، التي يتطلب استخدامها العديد من الأدوات التي تساعد الباحثين على عملية المقارنة، كالمنهج الوصفي أو التاريخي أو الاستقرائي أو الاستنباطي أو غيرها من المناهج الأخرى العقلية أو الإجرائية.
ب : استخدام المنهج المقارن كمنهج مساعد
إن استخدام المنهج المقارن كمنهج مساعد في البحوث القانونية يجعل منه أداة مساعدة للبحث، أو أداة مساعدة للتحليل المقارن، ولهذا اعتبرت المناهج الفرعية أو كما تسمى بالمناهج المساعدة أو المكملة مجرد أدوات تدخل ضمن المناهج الأساسية، الأمر الذي دفع البعض إلى اعتبارها مجرد أدوات بحث لأنها لا ترقى إلى درجة المنهج العلمي، وفي مقابل ذلك اعتبرها البعض الأخر مناهج علمية مستقلة، وذلك نظرا لإمكانية قيامها ببحوث خاصة ووفائها بالغرض المطلوب .
وهذا هو الأمر الذي جعلنا نشير إلى أن استخدام المنهج المقارن في العلوم القانونية من شأنه مساعدة الباحثين على فهم موضوعات الدراسة واستيعاب ايجابياتها وسلبياتها وعلاقاتها وروابطها المختلفة مما يدفع هؤلاء الباحثين إلى تبيان نقاط تشابهها واختلافها.
لقد استخدم المنهج المقارن في نطاق العلوم القانونية منذ عهد أرسطو وغيره من الفلاسفة الآخرين؛ لذلك ارتكزت عليه الدراسات والممارسات القانونية في مجال القانون الدستوري والقانون المقارن، الأمر الذي جعله يساهم في بناء المنظومة القانونية من خلال ثلاثة أساليب مختلفة (أولا)، الأمر الذي جعل هذا المنهج يفيد الباحثين و المحامين والقضاة و غيرهم من الأشخاص في الاستفادة من نتائج المقارنات القانونية (ثانيا).
أولا: دور المنهج المقارن في بناء المنظومة القانونية
إن الاعتماد على المنهج المقارن في بناء المنظومة القانونية قد أخذ مرحلتين مختلفين، المرحلة الأولى منهما أخذ فيها الكثير من فلاسفة القانون؛ كأرسطو و مونتسكيو وماكس فيبر و ميكيافيلي بمعالجة موضوعات القانون الدستوري ، أما المرحلة الثانية فقد ظهرت بشكل جلي خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؛ وفيها ساهمت المقارنات القانونية في بلورة القانون المقارن والكشف عن الأساليب المستخدمة في المقارنة القانونية.
1: استخدام المنهج المقارن في تطور القانون الدستوري
منذ عهد أرسطو و مونتسكيو ؛ تمثلت موضوعات القانون الدستوري التي عالجها هؤلاء الفلاسفة باستخدام المنهج المقارن في: أنواع الدساتير (أ)، أصناف الدول و الأنظمة السياسية (ج)، أنواع السلطات الحاكمة (ج).
أ: استخدام المنهج المقارن في مقارنة الدساتير
لقد ساعد المنهج المقارن بشكل كبير في تطور القانون الدستوري؛ فقد استخدمه اليونانيين من أجل المقارنة بين الأنظمة السياسية للمدن اليونانية وذلك لتبني الأنظمة المثلي، ولذلك قام أرسطو بمقارنة 158 دستور من دساتير هذه المدن، معتمدا في ذلك على مبدأ الضرورة القائم على خصوصية كل دولة. وهذا ما جعل أرسطو يخلص إلى وضع تقسيم سداسي يشمل كل أنواع الدساتير والأنظمة فوضع ثلاث دساتير صالحة هي: الملكية، الارستقراطية، الحكومة الدستورية، تقابلها ثلاث أنظمة صالحة هي: حكم الطاغية، الارستقراطية، الحكومة الدستورية، تقابلها ثلاث أنظمة فاسدة هي: حكم الطاغية، الحكم الأوليغارشي، حكم الديمقراطية الغوغائية.
ب: استخدام المنهج المقارن في تصنيف الدول والأنظمة السياسية
ميز ميكيافيلي"1469- 1527م" في مقارنته بين ثلاثة أصناف من الدول هي: الدولة التي يحكمها ملك واحد، الدولة الأرستقراطية التي تحكمها أقلية النبلاء، الدولة الديمقراطية وهي التي ترجع فيها السيادة للشعب، كما صنف مونتسكيو"1689- 1755" الأنظمة السياسية إلى جمهورية ملكية، دستورية و استبدادية وأكد في مقارنته هذه أن تصنيفه هذا يقوم على أساس الممارسة الفعلية التي تتم داخل النظام فالجمهورية في نظره هي التي تسود فيها العدالة والقانون وتصان فيها الحريات الخاصة والعامة.
وهذا هو الأمر جعل جون ستيوارت مل "1806- 1873م" يقول بأن: "المنهج المقارن الحقيقي يعني مقارنة نظامين سياسيين متماثلين في كل الظروف و لكنهما يختلفان في عنصر واحد، حتى يمكن تتبع نتائج هذا الاختلاف"، مستدلا على ذلك بمثال نموذجي عن دولتين لهما نفس النظام القانوني والخلفية الثقافية والتركيبة السكانية والموارد الطبيعية ولكنهما يختلفان في عنصر واحد هو وجود التخطيط في دولة واحدة فقط دون الأخرى، ولذاك اعتبر ميل أن هذا الفارق هو الذي يفسر لنا اتساع الهوة بين الدولتين على المستوى الاقتصادي، وهذا بدوره يجعلنا نتوصل إلى تكريس العلاقة السببية التفسيرية بين التخطيط والرفاهية الإقتصادية.
ج: استخدام المنهج المقارن في تصنيف السلطات السياسية
علاوة على الموضوعات التي عالجها أرسطو و مونتسكيو و ميكيافيلي، ميز أيضا ماكس فيبر "1864- 1920" بين ثلاثة أنواع من السلطات هي: السلطة الكاريزماتية التي يمارسها أشخاص تكون لهم قدرات ذهنية وشخصية كبيرة وخارقة يخضع لها المحكومين، السلطة التنفيذية التي تستند في أحكامها على العادات والتقاليد والأعراف السائدة في بلد معين، السلطة القانونية التي يستمد فيها الحاكم شرعيته من القانون وهي السلطة التي تعمل بها المجتمعات المتقدمة .
2: استخدام المنهج المقارن في تطور القانون المقارن
لقد كشف استخدام المنهج المقارن في نطاق العلوم القانونية عن بلورة القانون المقارن وتأسيسه (أ)، كما كشف هذا الاستخدام عن أساليب المقارنة القانونية (ب)
أ: استخدام المنهج المقارن في بلورة القانون المقارن
لقد احتل المنهج المقارن أهمية خاصة في مجال الدراسات القانونية، وبناء عليه ظهر القانون المقارن كميدان من ميادين البحث والدراسة وكعلم قائم بذاته، وأصبح موضوعا من موضوعات الدراسة القانونية التي يتم استخدامها فيها من أجل دراسة و تفسير مختلف فروع القانون ؛ فالمقارنة القانونية قد ساهمت في بلورة القانون المقارن الذي هو ثمرة قانون بدأ منذ القرن الثامن عشر ميلادي على يد مؤسسه الفيلسوف المشهور مونتسكيو الذي اعتبره في كتابه "روح القوانين" الصادر سنة 1748 علما قانونيا منفردا ، كما عرف القانون المقارن أيضا تطورا معتبرا خلال القرن التاسع عشر بتأسيس جمعية التشريع المقارن بباريس سنة 1869، وانعقاد المؤتمر الأول للقانون المقارن بمدينة باريس سنة 1900 .
ب: دور المنهج المقارن في الكشف عن أساليب المقارنة القانونية
لقد كشفت المقارنات القانونية عن وجود ثلاثة أساليب من المقارنة هي:
أسلوب المقارنة العامة: هو أسلوب يتم التطرق فيه إلى الموضوع محل البحث في القوانين والأنظمة المعمول بها، ثم بعد ذلك يتناول الباحث المشكلة المثارة في بقية أجزاء البحث دون إعادة التطرق إلى القوانين محل المقارنة بشكل تفصيلي.
أسلوب المقارنة الأفقية: هو أسلوب يقوم على بحث المسألة محل المقارنة في كل قانون أو نظام قانوني على حدة، بحيث لا يتعرض الباحث لموقف القانون أو النظام القانوني الأخر حتى ينتهي من بحث المسألة في القانون أو النظام القانوني الأول .
أسلوب المقارنة العمودية "الرأسية": فيها يتناول الباحث كل جزئية من جزئيات البحث في كل القوانين أو الأنظمة القانونية التي يقارن بينها في آن واحد، وهذا ما يجعل هذه المقارنة تبتعد عن التكرار وتقطيع أوصال البحث إضافة إلى أنها تؤدي إلى حسن سهولة وإدراك أوجه الاختلاف أو الاتفاق بين القوانين أو الأنظمة المقارنة.
ثانيا: دور المنهج المقارن في مجال القانون
يقصد بدور المنهج المقارن في مجال القانون استخداماته القانونية المتعددة أو كيفية الاستفادة منه في مختلف مجالات الحياة، سواء من قبل المشرعين في عمليات وضع القوانين وتعديلها (1)، أو من قبل المحامين في الدفاع عن المتهمين والضحايا (2) أو من قبل الباحثين في عمليات إعداد البحوث القانونية (3).
1: استخدام المنهج المقارن في وضع القانون
يحتل المنهج المقارن أهمية خاصة في نطاق عمليات سن التشريعات أو وضعها بصفة نهائية، حيث انه يمكن الباحثين من الإطلاع على تجارب النظم القانونية الأخرى ومقارنتها بالنظم الوطنية مما يمكنهم من الكشف عن أوجه الاتفاق أو الاختلاف أو القصور بين هذه النظم، ومن ثمة يمكن هؤلاء الباحثين أن يضعوا بين أيدي المشرعين أفضل الحلول ليستعينوا بها إذا ما أرادوا أن يعدلوا النظم والقوانين القائمة أو يضعوا نظم وقوانين جديدة ، الأمر الذي يكشف أن المنهج المقارن يتيح الفرصة أمام صانعي التشريع أو واضعي القوانين من الاستفادة مما هو موجود في القوانين والأنظمة القانونية النافذة، أو في الاستفادة من العادات والأعراف السائدة مثلما فعل المشرع حمورابي حينما توصل إلى قانونه المشهور بعدما قام بالمقارنة بين العادات والنظم القائمة .
2: استخدام المنهج المقارن في الدفاع أمام القضاء
يعتبر حق الدفاع على المتهمين والضحايا أو على المدعين و المدعى عليهم من أقدم الحقوق التي جاءت بها الشرائع السماوية ونادت بها المواثيق الدولية والدساتير الوطنية، لأن الدفاع رسالة سامية جليلة لها أهمية كبيرة في حفظ حقوق الفرد وكرامته[47]، ولهذا يتوجب على المحامين المقارنة بين النصوص القانونية أو الاجتهادات القضائية أو أقوال الشراح حتى يتمكنوا من الدفاع على مختلف الوسائل التي تعرض على المحاكم[48]، فكل المحامون حينما يحاولون الحصول على استنتاجات في قضية ما، فإنهم يقارنون بين أحكام المحاكم أو يقارنون بين النصوص القانونية من أجل إيجاد نقاط التشابه والاختلاف والنظر التي تساعدهم في الدفاع ، الأمر الذي يبين أن المنهج المقارن يساعد المحامين في الدفاع أمام القضاء.
3: استخدام المنهج المقارن في اعداد البحوث القانونية
يتم استخدام المنهج المقارن من قبل رجال القانون أو الباحثين في مجال القانون في نسقين مختلفتين، نسق أول يتم فيه استخدامه كمنهج رئيسي في البحث (أ)، أما النسق الثاني فيستخدم فيه كمنهج مساعد (ب).
أ: استخدام المنهج المقارن كمنهج رئيسي
إن استخدام المنهج المقارن كمنهج رئيسي في البحوث القانونية، يجعل الدراسة في هذه الحالة دراسة مقارنة يتوجب فيها على الباحثين الأخذ بأسلوب من أساليب المقارنة المتمثلة في: المقارنة العامة أو المقارنة الأفقية أو المقارنة الرأسية، التي يتطلب استخدامها العديد من الأدوات التي تساعد الباحثين على عملية المقارنة، كالمنهج الوصفي أو التاريخي أو الاستقرائي أو الاستنباطي أو غيرها من المناهج الأخرى العقلية أو الإجرائية.
ب : استخدام المنهج المقارن كمنهج مساعد
إن استخدام المنهج المقارن كمنهج مساعد في البحوث القانونية يجعل منه أداة مساعدة للبحث، أو أداة مساعدة للتحليل المقارن، ولهذا اعتبرت المناهج الفرعية أو كما تسمى بالمناهج المساعدة أو المكملة مجرد أدوات تدخل ضمن المناهج الأساسية، الأمر الذي دفع البعض إلى اعتبارها مجرد أدوات بحث لأنها لا ترقى إلى درجة المنهج العلمي، وفي مقابل ذلك اعتبرها البعض الأخر مناهج علمية مستقلة، وذلك نظرا لإمكانية قيامها ببحوث خاصة ووفائها بالغرض المطلوب .
وهذا هو الأمر الذي جعلنا نشير إلى أن استخدام المنهج المقارن في العلوم القانونية من شأنه مساعدة الباحثين على فهم موضوعات الدراسة واستيعاب ايجابياتها وسلبياتها وعلاقاتها وروابطها المختلفة مما يدفع هؤلاء الباحثين إلى تبيان نقاط تشابهها واختلافها.