الجزائر في ظل الحكم التركي العثماني ( 1518م -1830م)
1- الفتح التركي العثماني للجزائر :- جامعة الجزائر 03
- كلية علوم الإعلام و الاتصال
- قسم الاعلام
- محاضرات في مقياس مدخل الى تاريخ الجزائر المعاصر
- السنة أولى (ل.م.د)
- الأستاذة : الدكتورة بوزيفي وهيبة
- الفتح التركي العثماني للجزائر
- إلحاق الجزائر بالخلافة العثمانية
- مراحل و خصائص الحكم العثماني ( عهد اليايلربايات ، عهد الباشوات ، عهد الأغاوات ، عهد الدايات ) مع الإشارة إلى مدة كل عهد و مميزاته على جميع الأصعدة و أبرز الأحداث الداخلية و الخارجية .
من المعلوم عند العام و الخاص أن الدولة العثمانية وقفت كسور منيع في طريق التوسع الأوروبي في العالم الاسلامي طوال أربعة قرون من الزمن ، كما عملت الدولة العثمانية على توحيد صفوف المسلمين في العديد من الدول ، هذا ما جعل الدول الغربية تتخوف من وحدة المسلمين و تكاتفهم من جهة و تحقد على الدولة العثمانية من جهة أخرى ، و لهذا يعتبر العثمانيون في نظر الدول العربية بمثابة " أبطال ساعدوا الدول العربية الضعيفة ، مقارنة بأوروبا على التخلص من هيمنة الأوروبيين و تفضيلهم على الغزاة المحتلين لأراضيهم ."
أ- دوافع التواجد العثماني بالجزائر :
لم يكن ليوجد الأتراك في الجزائر لولا غزو الاسبان لها و لم يتوصل الاسبان إلى احتلال بعض أجزائها إلا باستغلال الضعف و الانحطاط الذي عرفته الجزائر في أواخر عهد الدولة الزيانية ، فدخل أمراؤها في صراع على العرش ، و لم تعد تملك هذه الدولة من النفوذ إلا تلمسان و بعض أجزاء المناطق العربية ، فعجزت عن مقاومة الغزاة و أجبرت على عقد الصلح مع الاسبان سنة 1512 م اعترفت فيه باستيلاء الاسبان على عدة موانئ في غرب الجزائر ( احتلال الاسبان للمرسى الكبير في شهر أكتوبر 1505م ، و مدينة وهران في شهر ماي 1509 ، و بجاية يوم 6 جانفي 1510 ، و مستغانم 1511 م ) . كما فرض الاسبان الجزية ( الضرائب ) على سكان هذه المدن الساحلية . و إجبارهم على تمويل حروبهم الاستعمارية .
و أمام هذا الوضع المزري و الصعب الذي كانت تمر به الجزائر في بداية القرن السادس عشر ، لم يجد سكان الجزائر وسيلة إلا الاستنجاد بالأخوين عروج و خير الدين لإنقاذهم من الاحتلال الأوروبي لمدنهم و ذلك بالالتجاء الى تركيا القوية و القادرة على تزويد المحاربين الجزائريين بالذخيرة و الرجال الذين يمكنهم صد الطغاة الأوروبيين . و بفضل تلك المساعدة شعر أبناء الجزائر بدرجة عالية من الأمان و الاطمئنان في ظل الدولة العثمانية القوية ، و انطلاقا من هذه الحقائق ، فإن العثمانيين يعتبرون منقذون و ليسوا مستعمرون .
و من هذا المنطلق نخلص إلى أن لظهور الأتراك بالجزائر كان له دور فعال في انقاذ هذا البلد من احتلال اسباني واقع لا محالة ، لذلك قبل السكان بالانضواء تحت لواء الخلافة العثمانية باسطنبول ، و ما من شك أن رابطة الدين هي التي كانت الدافع الرئيسي للاستنجاد بالأخوين عروج و خير الذين و تلبيتهما النداء ، خاصة و أن الصراع آنذاك كان على أشده بين المسلمين و الصليبيين – كما سبق الذكر - ، و عليه فقد بذل الأتراك العثمانيون جهودا تحفظ لهم في التاريخ من أجل حماية الجزائر من التحديات الاستعمارية طوال ثلاثة قرون .
ب- الحاق الجزائر بالخلافة العثمانية :
إن استشهاد عروج و جنوده عام 1518 عن سن يناهز 45 سنة إثر معركة دارت بينه و بين الاسبان خارج تلمسان و بالتحديد بواد المالح بنواحي عين تموشننت ، جعل خير الذين الذي كان اثرها متواجدا بمدينة الجزائر يعلن تبعيته للسلطان العثماني ، حيث أدرك أنه لا يستطيع لوحده الاحتفاظ بالجزائر و أن يحارب الاسبان بقواته فقط ، و لذلك ربط مصيره بمصير الامبراطورية العثمانية التي برزت كأكبر دولة إسلامية تتوجه نحو حماية المسلمين في كل مكان .
و ذلك بعد أن اقنع أعيان مدينة الجزائر بخطورة الوضع في الجزائر ، و أهمية انضمام بلدهم إلى السلطة العثمانية التي تزود جيشه بالسلاح و المؤونة و الدعم السياسي لمواجهة الهجمات الاسبانية في حوض البحر الأبيض المتوسط ، و بهذا الأسلوب تمكن خير الدين من تقوية جيشه و بسط نفوذه و ضمن سيطرته على الدوام ، بعد أن أصبح ممثلا للسلطان التركي في أرض الجزائر .
و بعد أن قدم خير الدين بربروس الولاء لسلطان العثماني سليم الأول قبل هذا الأخير عرضه قبولا حسنا و أرسل له 2000 جندي مسلحين بالبنادق و عددا من رجال المدفعية مع مدفعيتهم و عددا من المتطوعين ، و لم يكتفي السلطان العثماني بذلك ، بل وجه رسائل إلى حكام تونس و تلمسان يحذرهم من الاعتداء على حدود امارة الجزائر .
و بتعيين خير الدين كأول حاكم تركي على الجزائر من طرف السلطان العثماني صار يلقب ب " بايلر باي " ( أمير الأمراء ) ، و تحول من مجرد أمير البحر إلى رئيس دولة مرتبطة بالإمبراطورية العثمانية و متحالفة معها ضد اسبانيا زعيمة العالم المسيحي . و قوة يحسب لها حساب كبير على المستوى الدولي .
الجدير بالذكر أن تحالف خير الدين مع العثمانيين مكنه من أن يغير مجرى الأمور بشمال افريقيا ، و يوحد هذه البلاد بحيث تمكنت القوات الجزائرية و العثمانية من اخراج الاسبانيين من تونس و طرابلس في القرن السادس عشر ( 16) ، كما ساعد خير الدين فرنسا على تحرير ميناء نيس من القوات الاسبانية المرابطة به و ذلك سنة 1543 م .
كما استطاع خير الدين أن ينتصر على الاسبانيين في هجومهم العنيف على مدينة الجزائر سنة 1519 ، و كذلك طرد الاسبان من برج الفنار في شهر ماي 1529 . و بالمقابل تمكن من القضاء على الثورات التي كانت تدبر ضده من الداخل ، و نجح في الاستيلاء على المدن المتبقية من الجزائر : ( القل و قسنطينة عام 1521 ، عنابة 1522 و الحضنة و القبائل و متيجة عام 1525 ، و استرجع مدينة الجزائر من يد سلطان قبائل كوكو بن القاضي عام 1526 .
يذكر أن السلطان العثماني سليمان الأول ( القانوني ) استدعى خير الدين عام 1535 إلى القسطنطينية و عينه قائدا عاما للأسطول البحري التركي ، و وضع تحت تصرفه البوارج الحربية و المعدات العسكرية التي كسرت شوكة الاسبان في تونس و طرابلس و الجزائر ، و بقي في هذا المنصب حتى وافته المنية عام 1546 عن سن يناهز 80 سنة . و في الوقت الذي تغيب فيه خير الدين عن أرض الجزائر و انشغاله بتنظيم البحرية التركية قام بتعيين ابنه حسن باشا قائدا للجزائر .
2- مراحل و خصائص الحكم العثماني في الجزائر :
استمر الحكم التركي للجزائر من عام 1518 إلى غاية تاريخ الاحتلال الفرنسي عام 1830 ، حيث مر بأربعة عهود أو فترات مختلفة ، و كل مرحلة تميزت بأسلوب معين في تسيير شؤون البلاد ، لكن قبل الخوض في طبيعة و خصائص كل حكم لا بأس أن نشير إلى نقطتين مهمتين :
· الجزائر كانت بعيدة عن القسطنطينية و بالتالي كانت تسير من طرف بعض العناصر القوية في مدينة الجزائر .
· كانت هناك فئتين أو طبقتين سيطرت على الجزائر طيلة الحكم التركي بها ، ففي المرحلة الأولى منه كانت الطبقة الحاكمة بالجزائر هي فئة " الرياس " ، أما الفئة الثانية التي سيطرت على الجزائر لمدة طويلة فهي فرقة " اليولداش " المتكونة من الجيش البري ( الانكشاريين ) و كان اليولداش لا يشعرون بالانتماء الى الجزائر ، و الشيء المهم بالنسبة لهم هو السيطرة على البلاد و قتل كل من يعترض طريقهم ، و الحقائق التاريخية تؤكد أنهم كانوا يخلعون الحاكم الذي لا يرضيهم و يضعون بدله الشخص الذي يروق لهم ، علما أن نفوذهم في الجزائر لم ينته إلا في سنة 1817 عندما قام الداي علي خوجة بحملة ضدهم.
أ- عهد البايلر بايات ( 1518 -1587 ) :
يمثل هذا العصر أزهى عصور الحكم التركي في الجزائر ، حيث ازدهرت البلاد في هذه الفترة من النواحي التعليمية و الاقتصادية ز العمرانية ، و ذلك بفضل التعاون بين فئة الرياس في القيادة و أبناء الجزائر ، و قد ساهم في تنمية البلاد و ازدهارها مهاجرو الأندلس الذين وظفوا خبراتهم و مهاراتهم في ترقية المهن و البناء العمراني و تقوية الاقتصاد الجزائري .
و يمكن تلخيص عصر البايلر بايات من خلال أبرز خصائصه و انجازاته كالتالي :
· دام عهد البايلر بايات مدة 70 سنة .
· يأتي قرار تعيين الحاكم في الجزائر من طرف السلطان العثماني .
· كانت السلطة في يد رياس البحر أو جنود البحرية .
· تحرير برج فنار عام 1529 من الاسبان ، و تحرير بجاية من الاحتلال الاسباني عام 1555 ، و إنهاء الوجود الاسباني في تونس عام 1574 م.
· ازدهرت الجزائر في هذه الفترة التي تميزت الحياة السياسية فيها بالاستقرار و تحالف الجميع ضد العدو الاسباني .
· بداية بناء الأسطول الجزائري و تأسست فيها الوحدة الإقليمية للجزائر .
أهم الأحداث التي شهدتها فترة البايلربايات :
أ- على الصعيد الداخلي : امتازت هذه مرحلة على المستوى السياسي الداخلي بالقوة و توطيد ركائز الحكم ، و توحيد رقعة البلاد ، حيث استطاع البايلربايات أن يحققوا الوحدة الإقليمية و السياسية للجزائر ، التي امتد نفوذها و سيطرتها إلى كل الجهات شرقا و غربا و جنوبا ، و القضاء على كل الإمارات المحلية : إمارة تلمسان ، الإمارات الحفصية في قلعة بني عباس ، قسنطينة و عنابة ، و إمارة جبل كوكو بالقبائل ، و يعد "صالح رايس" البطل في تحقيق هذه الوحدة ، لاجتهاده في مد نفوذ الأتراك إلى واحات الجنوب و قضى على الدولة الزيانية بتلمسان ، و قام بفرض طاعة سلطة الجزائر على كل المناطق .
و فيما يخص تنظيم البلاد اداريا فقد كان لجهود صالح رايس أثر في ذلك بعد أن امتد نفوذ السلطة التركية إلى معظم المناطق الشرقية و الغربية و الجنوبية للجزائر ، حيث اهتم البايلرباي حسن باشا ابن خير الدين في ولايته الثانية بتنظيم إدارتها ، إذ قسمها إلى أربعة بايلكات (عمالات) :
- بايلك الجزائر و مركزها مدينة الجزائر ( دار السلطان )
- بايلك الشرق و مركزها مدينة قسنطينة.
- بايلك التيطري و مركزها مدينة المدية.
- بايلك الغرب و مركزها مدينة مازونة ثم معسكر ثم وهران.
أما على المستوى الاقتصادي و العمراني ، فقد اهتم البايلربايات بتشييد المساجد وسخروا الأوقاف الطائلة على مشاريع البر و الإحسان ، و شهدت مدينة الجزائر العاصمة خاصة حركة عمرانية كبيرة ،بالإضافة إلى بناء الحصون ، المدارس ، القصور ، حمامات ، مستشفيات ، و قلاع ضخمة لا تزال آثارها شاهدة إلى الوقت الحالي.
و من الناحية الاقتصادية امتازت البلاد بغناها الاقتصادي الكبير مصدره الثروات الزراعية و الحيوانية ، و ما يأتيها من أموال الزكاة على الماشية و الحبوب و الزيتون و أنواع المدخولات الأخرى من رسوم وضريبة الصادرات و خمس غنائم البحر التي كان يغنمها الرياس و أموال الجزية التي كانت مفروضة على الدول الأوروبية ، و على المستوى الصناعي فقد عرفت الصناعة تطورا كبيرا مثل : صناعة النسيج ، البرانس ، الزرابي ، و الحياك ، كما كانت تصدر كميات وفيرة من الحبوب و البضائع : الصوف ، الجلود ، الشمع و النسيج إلى الخارج.
ب- على الصعيد الخارجي : كان ولاة هذا العهد كلهم أقوياء اثبتوا جدارتهم سواء في الداخل أو الخارج ، و بفضل مركزهم ومكانتهم مدوا سيطرتهم على تونس و طرابلس ، و تحكموا في تسييرها و الوصاية عليها ، فبحكم لقبهم البايلرباي يعينون باشوات تونس و طرابلس ، و ذلك نيابة على الدولة العثمانية و كذا من يخلفهم بالجزائر عندما ينتقل أحدهم .
أما على مستوى العلاقات السياسية الخارجية فقد استطاعت الجزائر بفضل امتلاكها لأسطول قوي ، أن تفرض إرادتها على الدول الأوروبية و إرغامها على دفع إتاوات مقابل ضمان الأمن و السلام لمراكبها في حوض البحر الأبيض المتوسط . حيث استفحل في تلك الفترة نشاط القرصنة في البحر المتوسط .و بالتالي كانت علاقة الجزائر مع أوروبا في هذه الفترة علاقة القوي بالضعيف ، و كانت الجزائر بطبيعة الحال هي القوية .
و من جهة أخرى تنافست الدول الأوروبية على اقامة علاقات دبلوماسية و تجارية مع الجزائر ، لكن هذا التفوق العسكري جعلها مستهدفة من طرف الدول الأوروبية التي عملت دون هوادة من أجل تكسير شوكتها و تقليص دورها و مكانتها الدولية ، و هذا ما تم تجسيده في مؤتمر فيينا و اكس لاشابيل.
و على صعيد آخر اشتدت في هذه الفترة الحملات الاسبانية على الموانئ الجزائرية ، حيث شنت اسبانيا حملة ضخمة على مدينة الجزائر في أوت 1519 ، و حملة شارلكان (Charles Quint ) الشهيرة سنة 1541 ، باءت كلها بالفشل .
كما شهدت فترة البايلربايات بداية تسرب النفوذ الفرنسي إلى الجزائر ، نتيجة للعلاقات الطيبة التي كانت تربط بين فرنسا و الامبراطورية العثمانية ، وبسبب عداء الجزائريين و الأتراك للأسبان ، إضافة إلى تنافس فرنسا التقليدي حول وراثة مشاكل القارة الإفريقية. " و تعود العلاقات الطيبة بين الدولتين إلى أيام السلطان سليمان القانوني و فرانسوا الأول ، حيث حصلت فرنسا على امتيازات واسعة في أملاك الخلافة العثمانية عام 1535. و من أهم هذه الامتيازات نذكر صيد المرجان بالسواحل الشرقية الجزائرية ( القالة ، عنابة و القل ) ، و قاموا بإنشاء حصن القالة الفرنسي سنة 1561 ، و تدعم ذلك الامتياز بعد توقيع معاهدة السلم و التجارة بين الطرفين في عام 1628 .مع العلم أن هذه الامتيازات تسببت في إحداث أضرار جسيمة للتجارة الجزائرية التي أصبحت موجهة لخدمة الأسواق الأوروبية . كما شارك الأسطول الجزائري الناشئ في الحرب الفرنسية ضد اسبانيا .
ب- عهد الباشوات ( 1587-1659 ) :
قبل البدء في الحديث عن خصائص هذا العهد ، و أهم الأحداث التاريخية التي جرت فيه ، لا بد من الاشارة إلى أسباب تغير النظام السابق :
· لقد كان ولاة عهد البايلرباي أقوياء ، و أصحاب نفوذ واسع ، تخطت سلطتهم الجزائر إلى تونس ، و طرابلس بحكم أنهم أصحاب فضل في فتح هذين البلدين ، و الحاقهما بالدولة العثمانية ، التي كافأتهم على ذلك بإعطائهم امتيازات واسعة ، و لما كانت مدة حكم هؤلاء البايلربايات غير محدودة فكثيرا ما تمتد فترة الواحد منهم عدة سنوات في منصبه ، و يصبح صاحب مركز قوي ، و نفوذ واسع لدرجة أن الدولة العثمانية بدأت تشتم رائحة التمرد ، و محاولة الانفصال عنها ، و الاستقلال بهذه البلاد ، فتقرر تقصير مدة حكم الوالي إلى ثلاث سنوات فقط ، و التنقيص من امتيازاته السابقة ، و اختصاصاته ، و تغيير لقبه الى الباشا.
و يذكر بعض المؤرخين أن الانكشارية هي التي ظلت تثير تخوفات و شكوك الباب العالي في نية البايلربايات طوال فترة حكمهم ، الأمر الذي جعل من رجال الدولة العثمانية يرون أن السلطة في الولايات الثلاث: الجزائر ، تونس ، طرابلس تحت حكم رجل واحد قد يشكل خطرا على الإمبراطورية العثمانية ، و بالتالي لابد من تقسيم الحكم و فصل الولايات عن بعضها البعض ، و إسناد كل إدارة إلى باشا يحكم لمدة ثلاث سنوات ، و ذلك لإحكام السيطرة على البلاد ومنع حدوث أي تمرد ضدها.
و بهذا تكون الدولة العثمانية قد فكرت في تأمين وحدة الامبراطورية ، مانعة أن تكون إدارة شمال افريقيا كله بيد شخص واحد و لمدة طويلة .
· و على صعيد آخر فإن هذا التغيير ( تغيير النظام السابق البايلربايات إلى الباشوات ) يعود إلى الصراع القائم بين طبقة الرياس و جنود الانكشارية ، و ذلك منذ نشأة الدولة الجزائرية التي قامت و تأسست على أكتاف رجال طائفة الرياس مثل خير الدين و من خلفه . و عليه أراد السلطان العثماني أن يخفف حدة النزاع بين الفئتين و خاصة أن فئة اليولداش ( الانكشارية ) كانت مستاءة من تمتع فئة جنود البحرية بلقب البايلربايات أو أمير الأمراء ، و لذلك قرر السلطان العثماني "مراد الثاني" ، إلغاء هذه الرتبة و تعويضها برتبة أخرى هي رتبة الباشا.
و قد تميزت هذه المرحلة من مراحل الحكم العثماني في الجزائر بمايلي :
- تعيين باشا تركي في كل من الجزائر و تونس و طرابلس ، بعد أن كان هناك حاكم واحد للمنطقة يوجد مقر حكمه بالجزائر.
- يقوم السلطان العثماني بتعيين باشا كل 3 سنوات يقوم بإرساله من تركيا و يستدعيه بعد انتهاء فترة تعيينه ، على أن يقوم بإرسال باشا آخر من هناك.
و بالتالي أصبح كل باشا يشعر أنه ليس في حاجة إلى ولاء الشعب مادامت مدة ولايته محدودة ، فأصبح همه الوحيد هو جمع أكبر قدر ممكن من الأموال طوال فترة حكمه. و مادام الحصول على الثروة هو الهدف الأساسي للباشوات فقد أصبحت قضية الحكم مسألة ثانوية لا تهمهم .
- إن انصراف الباشوات إلى السلب و النهب و جمع الثورة قبل عودته إلى القسطنطينية ، دفع باليولداش أو رجال الجيش البري أن يثوروا عليهم و يضعفوا نظام الحكم في الجزائر.
- بدأت تظهر الخلافات و التناقضات بين جنود البحرية الجزائرية و جنود البحرية العثمانية ، و خاصة عندما حاول الأتراك أن يخضعوا المصالح الجزائرية لمصالح الامبراطورية العثمانية .
- كما ظهر التصادم و التنافر بين جنود البحرية و جنود القوات البرية ، و خاصة أن رجال البحرية كانوا يحصلون على غنائم كبيرة من جراء غاراتهم البحرية الناجحة على أساطيل القوات الأوروبية ، و هذا الصراع هو الذي تسبب في اضعاف الدولة الجزائرية .
إن هذا الصراع راح ضحيته الأهالي نتيجة ظلم الانكشارية و انصراف طبقة الرياس إلى مصالحها الخاصة و التخلي – تقريبا – عن دورها في الاهتمام بالرعية و مصالحها .
- برزت قوة الرياس أو قوة رجال البحرية الجزائرية إلى درجة أن دول أوروبا أصبحت تخشى الجزائر و تسعى لإقامة علاقات تعاون معها.
و من بين أبرز الأحداث التي شهدها عهد الباشوات على الصعيد الداخلي و الخارجي نذكر :
أ- على الصعيد الخارجي :
- عمل باشوات الجزائر على وضع حد لامتيازات التجار الفرنسيين بسبب تأييد فرنسا لاسبانيا في عدوانها على الجزائر ، حيث قام الباشا خضر بتحطيم المركز الفرنسي بالقالة و أسر رواده ، و بالمقابل أخذ الفرنسيون يعتدون على السفن الجزائرية و كان رد الجزائر بالمثل ، حيث أسر القنصل الفرنسي بالجزائر ، و على إثر ذلك تعقدت العلاقات الدبلوماسية الفرنسية مع الجزائر من جهة و مع الخلافة العثمانية من جهة أخرى ، فاضطرت فرنسا إلى التفاوض و إبرام معاهدة بتاريخ 19/09/1628 م نصت على مايلي :
· إطلاق صراح الأسرى من الجانبين.
· التوقف عن الأسر من الجانبين.
· مسالمة البواخر الفرنسية في البحر.
· تعيين قنصل فرنسي بالجزائر يتمتع بحصانة دبلوماسية .
· إعادة بناء المركز الفرنسي التجاري بالقالة.
الجدير بالذكر أن فرنسا لم تحافظ على نصوص المعاهدة و قامت بالاعتداء المتكرر على السفن الجزائرية و شواطئها و قتلت الكثير من الجزائريين ، و كان رد الجزائر بالمثل بتتبع مراكب فرنسا و أسر ما فيها.
- سوء العلاقة السياسية بين الجزائر و تونس بسبب تدخل البايات التونسيين في بشؤون شرق الجزائر ، حيث كانوا يشجعون على قيام الاضطرابات ، و تمت المصالحة بين البلدين بإبرام معاهدة صلح عام 1628م.
- شنت أوروبا حملة على مدينة الجزائر في أوت 1601 بقيادة الاسباني " جان دوريا " ( Doria ) و مباركة البابا متكونة من سبعين سفينة حربية و عشرة آلاف جندي من فرنسيين و ايطاليين و اسبانيين متبعة في ذلك خطة الكابتان الفرنسي " روكس " ، لكنها باءت بالفشل.
- كثرة الغزوات البحرية الجزائرية ضد السواحل الأوروبية ، و خاصة في عهد الباشا الأول " أحمد باشا " ( دالي أحمد ) الذي قاد بنفسه حملات عام 1588 هاجم شواطئ نابولي و صقلية و كورسيكا و اسبانيا .
ب- على الصعيد الداخلي :
- عرفت الجزائر العديد من التمردات و الثورات امتد لهيبها إلى الأعماق الصحراوية و إلى منطقة القبائل الكبرى نتيجة ارهاقهم بالضرائب ، كثورات القبائل ( 1643) التي اندلعت بسبب زيادة الضرائب على المناطق القبلية ، و ذلك ليتمكن الباشوات من جمع المزيد من المال و بسرعة ، و في اعتقادهم أن القبائل لا تثور ، بالإضافة إلى الثورة العارمة التي تزعمها رياس البحر من جهة و الجنود الانكشاريون من جهة ثانية ، حيث ثارت الفئة الأولى بسبب قيام الباشا إبراهيم بحرمانهم من المبالغ المالية التي خصصها لهم الباب العالي تعويضا عن خسائرهم في منطقة البحر الأدرياتيكي ، و قيامه بدفعها كرشاوي لرجالات الدولة في القسطنطينية حتى يبقوه في منصبه ، و من أجل ذلك هاجم رياس البحر قصره و اعتقلوه و أودعوه السجن ، ثم بعد ذلك تم ترحيله إلى " إزمير " . أما فئة الانكشارية فقد ثارت على نظام الباشاوات بسبب تطلعها المستمر إلى السيطرة و الحكم بشتى الوسائل.
و بالتدرج انتقلت إدارة الولاية الى الانكشاريين و كسب ديوانهم قوة و نفوذا ، و صار الباشوات موظفين فقط برئاسة الاحتفالات الرسمية و بعقد المعاهدات ، و انتهى الأمر بسيطرة فرقة الانكشارية على السلطة سنة 1659 ، و اختفاء نظام الباشوات ، و ظهور نظام جديد عرف بعهد الآغوات.
و قد تقرر إعطاء السلطة التنفيذية للأغا رئيس الفرقة العسكرية ، أما السلطة التشريعية فقد تقرر أن تكون بيد الديوان و بالتالي أصبحت طائفة الرياس تحتل مكانة ثانوية في شؤون الحكم .
ت- عهد الآغاوات ( 1659-1671) :
تعتبر هذه الفترة من أقصر فترات الحكم العثماني في الجزائر ، حيث عرفت فيها البلاد اضطرابات سياسية كبيرة في نظام الحكم ، من انقلابات ، و اغتيالات ، و فساد ، و تعرض الحكم التركي فيها لهزات عنيفة عجز فيها عن توفير الأمن و الاستقرار الداخلي.
و يصف معظم المؤرخين عصر الآغاوات بالدموي و ذلك لكثرة عمليات الاغتيال التي يرجعون سببها أساسا إلى طبيعة تعيين الآغا ، و المتمثلة في انتخاب آغا جديد من طرف الجند كل شهرين حسب الأقدمية من بين ضباط الانكشارية ، و هو ما يشكل بحد ذاته خطرا على السلطة ، انعكس بدوره سلبا على المجتمع . و برغم قصر فترة نظام الأغوات فقد تعاقب أربعة منهم على الحكم كلهم قضوا اغتيالا ، حتى أن الجند لم يجدوا من يقبل بهذا المنصب الذي أصبح أقبل السبل للموت.
و من أهم خصائص هذا العهد نذكر :
- · السلطة التنفيذية بيد أحد أعضاء الجيش الانكشاري ، أما السلطة التشريعية فيتولاها الديوان .
- · أصبحت طائفة الرياس تحتل مكانة ثانوية في شؤون الحكم ، و بالمقابل سيطرة الانكشارية على السلطة .
- · قرر ديوان الانكشارية أن يتولى الآغا الحكم عن طريق الانتخاب ، على أن يبقوا في الحكم لمدة شهرين اثنين فقط ، و بالتالي أصبح الديوان هو الذي يقوم بانتخاب " الآغا " المنتدب للحكم ، بعدما كان الحاكم يعين من قبل السلطان العثماني خلال مرحلتي " البيلربايات ، و الباشاوات. "
- · اضمحلال نفوذ السلطان العثماني و غياب السيادة العثمانية في الجزائر ، و نتج عن ذلك استياء تركيا من انفصال حكام الجزائر عنها و قطع كل المساعدات عنهم.
- و في هذا الصدد أرسل الصدر الأعظم " كوبرلو محمد بن باشا " فرمانا إلى الجزائريين يخبرهم فيه " أخيرا لن نرسل إليكم واليا ، بايعوا من تريدون ...لدينا الآلاف من الممالك مثل الجزائر ..."
- · و ضع الاغتيال كقاعدة أساسية لكي يحل آغا جديد محل آغا قديم رفض التخلي عن السلطة ، وانتهت مدته ، الأمر الذي جعل كل الآغاوات يقتلون عندما حاولوا عدم التخلي عن مناصبهم .
- · استفحال الصراعات المحلية سواء بين ضباط الجيش البري أو ضباط الجيش البحري ، و تذمر أبناء الشعب من الفساد السياسي و انتشار الفوضى في البلاد .
- · نجح " اليولداش " في قلب نظام الحكم و الانفصال عن العثمانيين و الحد من سلطة " الرياس" لكنهم فشلوا في انشاء نظام سياسي ديمقراطي ناجح.
- · كان الانقلاب على الباشوات عبارة عن انتقام من طائفة أو فئة الرياس التي كانت كلمتها مسموعة غي عهد الباشاوات .
أما فيما يخص أهم الأحداث التي شهدتها فترة حكم الآغاوات فنلخصها فيمايلي :
أ- على الصعيد الخارجي :
- برز الصراع بين فرنسا و انجلترا حول السيطرة على افريقيا الشمالية.
- كثرت الغارات البحرية الفرنسية ضد الجزائر ، ففي عام 1663 شنت فرنسا حملة عسكرية بقيادة الدوق دوبوفور ( Duc Beaufourt ) للاستيلاء على مدينة الجزائر ، و لكن هذه المحاولة باءت بالفشل ، فنظمت حملة أخرى انطلقت من ميناء تولون ( Toulon ) يوم 23 جويلية 1664 تحتوي على 83 سفينة و 8000 عسكري بقيادة كولبير( Colbert ) و الدوق دوبوفور و نزلت بجيجل ، لكن سكانها و الأتراك أجبروهم على الرحيل بعد معركة دموية خسرت فيها فرنسا العديد من بواخرها و جنودها . فكرر ملك فرنسا لويس الرابع عشر عام 1665 هجوما آخر فاشلا على كل من مدن شرشال و القل و جيجل ، و لم يعد السلم بين الدولتين إلا بإبرام اتفاقية جديدة مع فرنسا. في 7 ماي 1666 التي نصت على اطلاق الأسرى من الجانبين و مسالمة سفن الجانبين في البحار ، و بعد إبراهم المعاهدة حصل هدوء نسبي بين البلدين لتدخل قوات أخرى في الصراع .
- قامت انجلترا عام 1669 بشن هجوم على الجزائر و الاعتداء على مراكبها في عرض البحر لكن المدفعية الجزائرية أجبرتها على العودة ، و في سنة 1671 هاجم الانجليز ميناء بجاية و أضرموا النار في اثني عشر مركب جزائري ، كما هاجموا ميناء الجزائر و اضرموا النار في ثلاثة مراكب .
- دخل حلبة الصراع ضد الجزائر إلى جانب الفرنسيين و الانجليز كل من الاسبان و الهولنديين ، و كاد الأمر يتحول الى تحالف أوروبي ضد الجزائر ، إلا أنها تفطنت وفوتت الفرصة فصالحت الهولنديين عام 1663 لمحاربة الفرنسيين ، و صالحت الفرنسيين لتحارب الانجليز و الهولنديين ، و في عام 1671 صالحت الانجليز لتعود الى الحرب مع فرنسا و هكذا.
ب- على الصعيد الداخلي :
- الانفصال عن الخلافة العثمانية و الاستقلال بالجزائر من الناحية الشكلية .
- امتنع الرياس عن تقديم الدعم الاقتصادي للانكشاريين " الطبقة الحاكمة" و كانوا يسعون إلى إثارة الاضطرابات ضد الأغوات محاولة منهم لاستعادة السلطة التي سلبت منها.
- عدم رضا الأهالي عن الطبقة الانكشارية .
- فشل الآغوات في فرض نفوذهم على السلطة ، كما شبت عدة ثورات ضدهم في جهات كثيرة مثل: العاصمة ، و بلاد القبائل عام 1668 م ، نالت من هيبتهم ، و جعلتهم عاجزين على القبض بزمام الأمور. الأمر الذي شجع طائفة رياس البحر لاستعادة مكانتهم .
و بعد اغتيال علي أغا عام 1671. ألغي هذا النظام بقرار من ديوان الأوجاق و الذي عوض بنظام الدايات ، حيث يظل الداي في الحكم طوال حياته دون أن يكون له الحق في تعيين من يخلفه.
ت- عهد الدايات ( 1671-1830) :
يمثل هذا العهد المرحلة الأخيرة من مراحل التواجد العثماني بالجزائر ، و يعتبر نظام الدايات انتصارا لطائفة الرياس ، كما يدل ذلك على اختيار الدايات الأربع الأولين من بين طائفة الرياس ، و من فترة 1671 إلى 1689 كان الدايات ينتخبون من طرف الرياس ، ثم استرجع الأوجاق نفوذهم ، فأصبح الداي يختار من بين ضباط الانكشارية ، و ذلك بسبب الحملات الأوروبية على السواحل الجزائرية خلال عهد الدايات و التي ألحقت أضرارا كبيرة بالأسطول الجزائري و أضعفت مركز الرياس .
و تتميز فترة الدايات بالخصائص التالية :
· كان لفئة الرياس دورا بارزا في تأسيس حكم الدايات الذين عملوا على تقليص نفوذ الديوان ، وأصبحت سلطته شكلية ، و بدخول الجزائر عهد الدايات عرفت استقرارا سياسيا .
· تعتبر فترة الدايات من أهم الفترات التي مرت بها الجزائر، حيث دامت مدة 159 سنة و هي تعادل نصف تاريخ التواجد العثماني بالجزائر ، و يمكن أن نطلق على هذه المرحلة بمرحلة الاستقلال الحقيقي للجزائر عن الدولة العثمانية في تسيير شؤونها الداخلية و الخارجية .
حيث احتفظت تركيا لنفسها بسلطات شكلية في الجزائر تمثلت بصفة خاصة في الدعاء للسلطان العثماني في صلاة الجمعة و الاعتراف بمراسيم التعيين و التعاون في مجال الحروب ، بحيث تقوم الجزائر بتقديم المساعدة العسكرية للبحرية التركية في حالة تعرض تركيا للاعتداء خارجي ( كما حصل في معركة نافارين سنة 1827 ) . و كذا في تقديم دايات الجزائر لهدايا أثناء المناسبات الدينية و السياسية ، و بالتالي القاسم المشترك بين الدولتين دفع بالجزائر إلى الاعلان عن ولائها الروحي و التبعية الاسمية للدولة العثمانية و تحالفها معها كدولة .
· محاولات الدولة العثمانية المتكررة التدخل في شؤوون الدولة الجزائرية من أجل استرجاع سلطّتها ونفوذها السابق أيام حكم البايلربايات ، و الباشوات ، و تأثير ذلك على مركز الدايات ، فحفّزت القوى المعادية لهم على التمرد و العصيان.
· أصبح الداي ينتخب من طرف الديوان العالي ( المجلس ) الذي صار بمثابة برلمان في عصرنا الحالي ، و السلطان العثماني لا يلعب أي دور في اختيار داي الجزائري و ينحصر دوره في إصدار مرسوم ( أو فرمان ) لتثبيت اختيار الديوان العالي بالجزائر ، و في حالة شغور المنصب فإن الديوان العالي هو الذي يختار خليفته بنفس الأسلوب السالف الذكر.
· بحلول عام 1710 دخلت الجزائر مرحلة هامة في نظامها السياسي ، فأنهت عهد ثنائية الحكم ، برفضهم الباشا المبعوث من طرف السلطان العثماني ، حيث رفض الداي علي شاوش استقبال "شرقان ابراهيم باشا" ، كممثل للسلطان العثماني بالجزائر ،و بالتالي أصبح الداي يجمع بين المنصبين ( الباشا و الداي ) ، و هي مرحلة الاستقلال الفعلي عن الدولة العثمانية . و أكثر من هذا قاوم الدايات حتى وساطة الباب العالي في المشاكل الداخلية و الخارجية للجزائر ، و لم يعد بذلك السلطان العثماني أي نفوذ فيها.
· يعين الداي في منصبه مدى الحياة ، حيث كان هو المسؤول العسكري و السياسي للبلاد ، والقاضي الأعلى في أمور الحرب و السلم و المسؤول على الضرائب و على التوظيف ، أي له صلاحيات غير محدودة فقد كان القتل هو الوسيلة للحد من صلاحياته
· أصبحت الدولة الجزائرية في عهد الدايات تتمتع بحرية العمل في المجال السياسي و بنت جيشا قويا و عندها ميزانية مستقلة لا تقل أهمية عن ميزانية الدول القوية في تلك الفترة ، كما كان الداي يعقد المعاهدات ( سلم و تجارة ) باسم الجزائر و يبعث بقناصل الجزائر إلى الدول الكبرى و يوافق على اعتماد القناصل في الجزائر بدون مشاورة تركيا ، و يعلن الحرب ، و يستعمل العملة الخاصة بالجزائر ، و هذه العوامل كلها تبين استقلالية القرار الجزائري.
· إن نفوذ الجيش البحري ( الرياس ) و الدايات لم يخدم الأهالي و لم يستجب لمطالبهم ، حيث بقي أبناء الجزائر مهمشين و لم تكن لهم مشاركة حقيقية في قيادة البلاد .
· توجه القوات العسكرية و السياسية لخدمة مصالحهم ، حيث تحول الرياس من جنود مناضلين و مقاتلين ضد القوات المسيحية المعادية للإسلام إلى رجال يبحثون عن الغنائم لأنفسهم و للحكام ، و بالمثل اهتم حكام الجزائر الدايات بجمع الثروة من العمليات الحربية ، و لم يهتموا بتطور الدخل من الثروة الفلاحية و توفير الغذاء للسكان.
أما فيما يخص أهم الأحداث التي عرفتها فترة الدايات فنوجزها في النقاط التالية :
- تمكن حكام الجزائر في هذه المرحلة الأخيرة من القضاء نهائيا على الوجود الاسباني في الجزائر و بالتحديد في وهران و المرسى الكبير ، و كان ذلك في سنة 1792. . يذكر أن تحرير مدينة وهران من الاسبان تم على مرحلتين : حيث كان التحرير الأول عنوة عام 1708 على يد مصطفى أبو الشلاغم باي الايالة الوهرانية و صهره أوزن حسن ، و في عهد الداي محمد بقطاش باشا ، و ذلك بعد أن مكث فيها الاسبان مائتين و خمسة أعوام
و على إثر هذا الانتصار نقلت عاصمة البايلك من معسكر إلى وهران ، و يسمى هذا الحدث بفتح وهران الأول ، لكن الإسبان عادوا سنة 1732 و احتلوها مرة ثانية ، إلى أن جاء عهد حسن باشا الذي شهد على يديه التحرير النهائي لمدينة وهران سنة 1792 .
- من الأحداث المميزة لهذا العهد كثرة الغارّات الأوربية على سواحل البلاد برغبة الانتقام من قوة الجزائر البحرية خاصة من طرف: الإسبان ، الإنجليز ، و الفرنسيين ، حيث نظم الأميرال الفرنسي " دوكين " في عهد الداي بابا حسن و بالضبط يوم 12 جويلية 1682 حملة عسكرية قوامها ثلاثون سفينة حربية لمهاجمة شرشال و مدينة الجزائر ، لكن هذه المحاولة باءت كغيرها من الفشل . و في عام 1684 أبرمت الجزائر معاهدة سلم مع فرنسا لمدة مائة سنة ، لكنها نقضت عام 1776 بسبب نشوب معركة بين السفن الفرنسية و الجزائرية ، و مرة أخرى تم الصلح بين الطرفين .
- و في عهد محمد عثمان باشا خاضت الجزائر حربا ضد الدنمارك و بالتحديد عام 1770 ، حيث قنبلت الميناء الجزائري ، لكن الجيش البحري الجزائري كان أقوى منها بكثير فتغلب عليها و أجبرها على التفاوض .
- و في عام 1770 شنت القوات الاسبانية حملة عسكرية ضد الجزائر بأمر من الملك شارل الثالث و بقيادة ( Don Pédro ) ، و لم تكد تنزل القوات الاسبانية على أرض الجزائر حتى تصدت لها قوات صالح باي قسنطينة و ألحقت بهم شر الهزيمة . من بعدها حاول الملك شارل الثالث مصالحة الجزائريين لكن الداي محمد عثمان باشا رفض لعدم ثقته في الاسبان ، فكرر الاسبان هجماتهم عام 1784 على الجزائر بقيادة ( Don Antonio ) لكن كالعادة القوات البحرية الجزائرية أجبرتهم على الانسحاب. و بعد ذلك قبلت الجزائر الصلح مع الاسبان على شرط جلاء الحامية الاسبانية من وهران و المرسى الكبير ، فقبل الاسبان هذا الشرط ، لكن لم ينفذ فعليا إلا في عهد الداي حسن باشا أي في سنة 1792 – كما أشرنا سابقا-
المراجع المعتمدة في المحاضرة الأولى :
1- عمار بوحوش ، التاريخ السياسي للجزائر من البداية و لغاية 1962 ، ط 1 ، بيروت ، دار العرب الاسلامي ، 1997
2- عمار عمورة ، موجز في تاريخ الجزائر ، ط 1 ، الجزائر ، دار ريحانة ، 2002 .
3- صالح فركوس ، المختصر في تاريخ الجزائر ( من عهد الفينقيين إلى خروج الفرنسيين 814 ق.م – 1962 م ) ، (ب.ط) ، دار العلوم للنشر و التوزيع ، ( ب.س.ط)
4- الكتاب المدرسي ، ج 1 ، السنة الثالثة ثانوي .
5- جمال الدين سهيل ، ملامح من شخصية تاريخ الجزائر خلال القرن 11 و 17 م ، مجلة الواحات للبحوث و الدراسات ، المركز الجامعي غرداية ، العدد 13 ، 2011
6- محمد مقصودة ، الكراغلة و السلطة في الجزائر خلال العهد العثماني ( 1519 -1830 ) ، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في التاريخ الحديث و المعاصر ، قسم التاريخ و الآثار ، كلية العلوم الانسانية و الحضارة الاسلامية ، جامعة وهران ، 2014
جميع الحقوق محفوظة للدكتورة بوزيفي وهيبة