عهد الباشوات ( 1587-1659 ) :
قبل البدء في الحديث عن خصائص هذا العهد ، و أهم الأحداث التاريخية التي جرت فيه ، لا بد من الاشارة إلى أسباب تغير النظام السابق :
· لقد كان ولاة عهد البايلرباي أقوياء ، و أصحاب نفوذ واسع ، تخطت سلطتهم الجزائر إلى تونس ، و طرابلس بحكم أنهم أصحاب فضل في فتح هذين البلدين ، و الحاقهما بالدولة العثمانية ، التي كافأتهم على ذلك بإعطائهم امتيازات واسعة ، و لما كانت مدة حكم هؤلاء البايلربايات غير محدودة فكثيرا ما تمتد فترة الواحد منهم عدة سنوات في منصبه ، و يصبح صاحب مركز قوي ، و نفوذ واسع لدرجة أن الدولة العثمانية بدأت تشتم رائحة التمرد ، و محاولة الانفصال عنها ، و الاستقلال بهذه البلاد ، فتقرر تقصير مدة حكم الوالي إلى ثلاث سنوات فقط ، و التنقيص من امتيازاته السابقة ، و اختصاصاته ، و تغيير لقبه الى الباشا.
و يذكر بعض المؤرخين أن الانكشارية هي التي ظلت تثير تخوفات و شكوك الباب العالي في نية البايلربايات طوال فترة حكمهم ، الأمر الذي جعل من رجال الدولة العثمانية يرون أن السلطة في الولايات الثلاث: الجزائر ، تونس ، طرابلس تحت حكم رجل واحد قد يشكل خطرا على الإمبراطورية العثمانية ، و بالتالي لابد من تقسيم الحكم و فصل الولايات عن بعضها البعض ، و إسناد كل إدارة إلى باشا يحكم لمدة ثلاث سنوات ، و ذلك لإحكام السيطرة على البلاد ومنع حدوث أي تمرد ضدها.
و بهذا تكون الدولة العثمانية قد فكرت في تأمين وحدة الامبراطورية ، مانعة أن تكون إدارة شمال افريقيا كله بيد شخص واحد و لمدة طويلة .
· و على صعيد آخر فإن هذا التغيير ( تغيير النظام السابق البايلربايات إلى الباشوات ) يعود إلى الصراع القائم بين طبقة الرياس و جنود الانكشارية ، و ذلك منذ نشأة الدولة الجزائرية التي قامت و تأسست على أكتاف رجال طائفة الرياس مثل خير الدين و من خلفه . و عليه أراد السلطان العثماني أن يخفف حدة النزاع بين الفئتين و خاصة أن فئة اليولداش ( الانكشارية ) كانت مستاءة من تمتع فئة جنود البحرية بلقب البايلربايات أو أمير الأمراء ، و لذلك قرر السلطان العثماني "مراد الثاني" ، إلغاء هذه الرتبة و تعويضها برتبة أخرى هي رتبة الباشا.
و قد تميزت هذه المرحلة من مراحل الحكم العثماني في الجزائر بمايلي :
إن هذا الصراع راح ضحيته الأهالي نتيجة ظلم الانكشارية و انصراف طبقة الرياس إلى مصالحها الخاصة و التخلي – تقريبا – عن دورها في الاهتمام بالرعية و مصالحها .
- برزت قوة الرياس أو قوة رجال البحرية الجزائرية إلى درجة أن دول أوروبا أصبحت تخشى الجزائر و تسعى لإقامة علاقات تعاون معها.
و من بين أبرز الأحداث التي شهدها عهد الباشوات على الصعيد الداخلي و الخارجي نذكر :
أ- على الصعيد الخارجي :
- عمل باشوات الجزائر على وضع حد لامتيازات التجار الفرنسيين بسبب تأييد فرنسا لاسبانيا في عدوانها على الجزائر ، حيث قام الباشا خضر بتحطيم المركز الفرنسي بالقالة و أسر رواده ، و بالمقابل أخذ الفرنسيون يعتدون على السفن الجزائرية و كان رد الجزائر بالمثل ، حيث أسر القنصل الفرنسي بالجزائر ، و على إثر ذلك تعقدت العلاقات الدبلوماسية الفرنسية مع الجزائر من جهة و مع الخلافة العثمانية من جهة أخرى ، فاضطرت فرنسا إلى التفاوض و إبرام معاهدة بتاريخ 19/09/1628 م نصت على مايلي :
الجدير بالذكر أن فرنسا لم تحافظ على نصوص المعاهدة و قامت بالاعتداء المتكرر على السفن الجزائرية و شواطئها و قتلت الكثير من الجزائريين ، و كان رد الجزائر بالمثل بتتبع مراكب فرنسا و أسر ما فيها.
- سوء العلاقة السياسية بين الجزائر و تونس بسبب تدخل البايات التونسيين في بشؤون شرق الجزائر ، حيث كانوا يشجعون على قيام الاضطرابات ، و تمت المصالحة بين البلدين بإبرام معاهدة صلح عام 1628م.
- شنت أوروبا حملة على مدينة الجزائر في أوت 1601 بقيادة الاسباني " جان دوريا " ( Doria ) و مباركة البابا متكونة من سبعين سفينة حربية و عشرة آلاف جندي من فرنسيين و ايطاليين و اسبانيين متبعة في ذلك خطة الكابتان الفرنسي " روكس " ، لكنها باءت بالفشل.
- كثرة الغزوات البحرية الجزائرية ضد السواحل الأوروبية ، و خاصة في عهد الباشا الأول " أحمد باشا " ( دالي أحمد ) الذي قاد بنفسه حملات عام 1588 هاجم شواطئ نابولي و صقلية و كورسيكا و اسبانيا .
ب- على الصعيد الداخلي :
- عرفت الجزائر العديد من التمردات و الثورات امتد لهيبها إلى الأعماق الصحراوية و إلى منطقة القبائل الكبرى نتيجة ارهاقهم بالضرائب ، كثورات القبائل ( 1643) التي اندلعت بسبب زيادة الضرائب على المناطق القبلية ، و ذلك ليتمكن الباشوات من جمع المزيد من المال و بسرعة ، و في اعتقادهم أن القبائل لا تثور ، بالإضافة إلى الثورة العارمة التي تزعمها رياس البحر من جهة و الجنود الانكشاريون من جهة ثانية ، حيث ثارت الفئة الأولى بسبب قيام الباشا إبراهيم بحرمانهم من المبالغ المالية التي خصصها لهم الباب العالي تعويضا عن خسائرهم في منطقة البحر الأدرياتيكي ، و قيامه بدفعها كرشاوي لرجالات الدولة في القسطنطينية حتى يبقوه في منصبه ، و من أجل ذلك هاجم رياس البحر قصره و اعتقلوه و أودعوه السجن ، ثم بعد ذلك تم ترحيله إلى " إزمير " . أما فئة الانكشارية فقد ثارت على نظام الباشاوات بسبب تطلعها المستمر إلى السيطرة و الحكم بشتى الوسائل.
و بالتدرج انتقلت إدارة الولاية الى الانكشاريين و كسب ديوانهم قوة و نفوذا ، و صار الباشوات موظفين فقط برئاسة الاحتفالات الرسمية و بعقد المعاهدات ، و انتهى الأمر بسيطرة فرقة الانكشارية على السلطة سنة 1659 ، و اختفاء نظام الباشوات ، و ظهور نظام جديد عرف بعهد الآغوات.
و قد تقرر إعطاء السلطة التنفيذية للأغا رئيس الفرقة العسكرية ، أما السلطة التشريعية فقد تقرر أن تكون بيد الديوان و بالتالي أصبحت طائفة الرياس تحتل مكانة ثانوية في شؤون الحكم .
مقتطف من محاضرة للدكتورة بوزيفي وهيبة يمكنكم الاطلاع عليها من خلال الضغط على العنوان التالي :
== / الجزائر في ظل الحكم التركي العثماني ( 1518م -1830م)
قبل البدء في الحديث عن خصائص هذا العهد ، و أهم الأحداث التاريخية التي جرت فيه ، لا بد من الاشارة إلى أسباب تغير النظام السابق :
· لقد كان ولاة عهد البايلرباي أقوياء ، و أصحاب نفوذ واسع ، تخطت سلطتهم الجزائر إلى تونس ، و طرابلس بحكم أنهم أصحاب فضل في فتح هذين البلدين ، و الحاقهما بالدولة العثمانية ، التي كافأتهم على ذلك بإعطائهم امتيازات واسعة ، و لما كانت مدة حكم هؤلاء البايلربايات غير محدودة فكثيرا ما تمتد فترة الواحد منهم عدة سنوات في منصبه ، و يصبح صاحب مركز قوي ، و نفوذ واسع لدرجة أن الدولة العثمانية بدأت تشتم رائحة التمرد ، و محاولة الانفصال عنها ، و الاستقلال بهذه البلاد ، فتقرر تقصير مدة حكم الوالي إلى ثلاث سنوات فقط ، و التنقيص من امتيازاته السابقة ، و اختصاصاته ، و تغيير لقبه الى الباشا.
و يذكر بعض المؤرخين أن الانكشارية هي التي ظلت تثير تخوفات و شكوك الباب العالي في نية البايلربايات طوال فترة حكمهم ، الأمر الذي جعل من رجال الدولة العثمانية يرون أن السلطة في الولايات الثلاث: الجزائر ، تونس ، طرابلس تحت حكم رجل واحد قد يشكل خطرا على الإمبراطورية العثمانية ، و بالتالي لابد من تقسيم الحكم و فصل الولايات عن بعضها البعض ، و إسناد كل إدارة إلى باشا يحكم لمدة ثلاث سنوات ، و ذلك لإحكام السيطرة على البلاد ومنع حدوث أي تمرد ضدها.
و بهذا تكون الدولة العثمانية قد فكرت في تأمين وحدة الامبراطورية ، مانعة أن تكون إدارة شمال افريقيا كله بيد شخص واحد و لمدة طويلة .
· و على صعيد آخر فإن هذا التغيير ( تغيير النظام السابق البايلربايات إلى الباشوات ) يعود إلى الصراع القائم بين طبقة الرياس و جنود الانكشارية ، و ذلك منذ نشأة الدولة الجزائرية التي قامت و تأسست على أكتاف رجال طائفة الرياس مثل خير الدين و من خلفه . و عليه أراد السلطان العثماني أن يخفف حدة النزاع بين الفئتين و خاصة أن فئة اليولداش ( الانكشارية ) كانت مستاءة من تمتع فئة جنود البحرية بلقب البايلربايات أو أمير الأمراء ، و لذلك قرر السلطان العثماني "مراد الثاني" ، إلغاء هذه الرتبة و تعويضها برتبة أخرى هي رتبة الباشا.
و قد تميزت هذه المرحلة من مراحل الحكم العثماني في الجزائر بمايلي :
- - تعيين باشا تركي في كل من الجزائر و تونس و طرابلس ، بعد أن كان هناك حاكم واحد للمنطقة يوجد مقر حكمه بالجزائر.
- - يقوم السلطان العثماني بتعيين باشا كل 3 سنوات يقوم بإرساله من تركيا و يستدعيه بعد انتهاء فترة تعيينه ، على أن يقوم بإرسال باشا آخر من هناك.
- و بالتالي أصبح كل باشا يشعر أنه ليس في حاجة إلى ولاء الشعب مادامت مدة ولايته محدودة ، فأصبح همه الوحيد هو جمع أكبر قدر ممكن من الأموال طوال فترة حكمه. و مادام الحصول على الثروة هو الهدف الأساسي للباشوات فقد أصبحت قضية الحكم مسألة ثانوية لا تهمهم .
- - إن انصراف الباشوات إلى السلب و النهب و جمع الثورة قبل عودته إلى القسطنطينية ، دفع باليولداش أو رجال الجيش البري أن يثوروا عليهم و يضعفوا نظام الحكم في الجزائر.
- - بدأت تظهر الخلافات و التناقضات بين جنود البحرية الجزائرية و جنود البحرية العثمانية ، و خاصة عندما حاول الأتراك أن يخضعوا المصالح الجزائرية لمصالح الامبراطورية العثمانية .
- - كما ظهر التصادم و التنافر بين جنود البحرية و جنود القوات البرية ، و خاصة أن رجال البحرية كانوا يحصلون على غنائم كبيرة من جراء غاراتهم البحرية الناجحة على أساطيل القوات الأوروبية ، و هذا الصراع هو الذي تسبب في اضعاف الدولة الجزائرية .
إن هذا الصراع راح ضحيته الأهالي نتيجة ظلم الانكشارية و انصراف طبقة الرياس إلى مصالحها الخاصة و التخلي – تقريبا – عن دورها في الاهتمام بالرعية و مصالحها .
- برزت قوة الرياس أو قوة رجال البحرية الجزائرية إلى درجة أن دول أوروبا أصبحت تخشى الجزائر و تسعى لإقامة علاقات تعاون معها.
و من بين أبرز الأحداث التي شهدها عهد الباشوات على الصعيد الداخلي و الخارجي نذكر :
أ- على الصعيد الخارجي :
- عمل باشوات الجزائر على وضع حد لامتيازات التجار الفرنسيين بسبب تأييد فرنسا لاسبانيا في عدوانها على الجزائر ، حيث قام الباشا خضر بتحطيم المركز الفرنسي بالقالة و أسر رواده ، و بالمقابل أخذ الفرنسيون يعتدون على السفن الجزائرية و كان رد الجزائر بالمثل ، حيث أسر القنصل الفرنسي بالجزائر ، و على إثر ذلك تعقدت العلاقات الدبلوماسية الفرنسية مع الجزائر من جهة و مع الخلافة العثمانية من جهة أخرى ، فاضطرت فرنسا إلى التفاوض و إبرام معاهدة بتاريخ 19/09/1628 م نصت على مايلي :
- · إطلاق صراح الأسرى من الجانبين.
- · التوقف عن الأسر من الجانبين.
- · مسالمة البواخر الفرنسية في البحر.
- · تعيين قنصل فرنسي بالجزائر يتمتع بحصانة دبلوماسية .
- · إعادة بناء المركز الفرنسي التجاري بالقالة.
الجدير بالذكر أن فرنسا لم تحافظ على نصوص المعاهدة و قامت بالاعتداء المتكرر على السفن الجزائرية و شواطئها و قتلت الكثير من الجزائريين ، و كان رد الجزائر بالمثل بتتبع مراكب فرنسا و أسر ما فيها.
- سوء العلاقة السياسية بين الجزائر و تونس بسبب تدخل البايات التونسيين في بشؤون شرق الجزائر ، حيث كانوا يشجعون على قيام الاضطرابات ، و تمت المصالحة بين البلدين بإبرام معاهدة صلح عام 1628م.
- شنت أوروبا حملة على مدينة الجزائر في أوت 1601 بقيادة الاسباني " جان دوريا " ( Doria ) و مباركة البابا متكونة من سبعين سفينة حربية و عشرة آلاف جندي من فرنسيين و ايطاليين و اسبانيين متبعة في ذلك خطة الكابتان الفرنسي " روكس " ، لكنها باءت بالفشل.
- كثرة الغزوات البحرية الجزائرية ضد السواحل الأوروبية ، و خاصة في عهد الباشا الأول " أحمد باشا " ( دالي أحمد ) الذي قاد بنفسه حملات عام 1588 هاجم شواطئ نابولي و صقلية و كورسيكا و اسبانيا .
ب- على الصعيد الداخلي :
- عرفت الجزائر العديد من التمردات و الثورات امتد لهيبها إلى الأعماق الصحراوية و إلى منطقة القبائل الكبرى نتيجة ارهاقهم بالضرائب ، كثورات القبائل ( 1643) التي اندلعت بسبب زيادة الضرائب على المناطق القبلية ، و ذلك ليتمكن الباشوات من جمع المزيد من المال و بسرعة ، و في اعتقادهم أن القبائل لا تثور ، بالإضافة إلى الثورة العارمة التي تزعمها رياس البحر من جهة و الجنود الانكشاريون من جهة ثانية ، حيث ثارت الفئة الأولى بسبب قيام الباشا إبراهيم بحرمانهم من المبالغ المالية التي خصصها لهم الباب العالي تعويضا عن خسائرهم في منطقة البحر الأدرياتيكي ، و قيامه بدفعها كرشاوي لرجالات الدولة في القسطنطينية حتى يبقوه في منصبه ، و من أجل ذلك هاجم رياس البحر قصره و اعتقلوه و أودعوه السجن ، ثم بعد ذلك تم ترحيله إلى " إزمير " . أما فئة الانكشارية فقد ثارت على نظام الباشاوات بسبب تطلعها المستمر إلى السيطرة و الحكم بشتى الوسائل.
و بالتدرج انتقلت إدارة الولاية الى الانكشاريين و كسب ديوانهم قوة و نفوذا ، و صار الباشوات موظفين فقط برئاسة الاحتفالات الرسمية و بعقد المعاهدات ، و انتهى الأمر بسيطرة فرقة الانكشارية على السلطة سنة 1659 ، و اختفاء نظام الباشوات ، و ظهور نظام جديد عرف بعهد الآغوات.
و قد تقرر إعطاء السلطة التنفيذية للأغا رئيس الفرقة العسكرية ، أما السلطة التشريعية فقد تقرر أن تكون بيد الديوان و بالتالي أصبحت طائفة الرياس تحتل مكانة ثانوية في شؤون الحكم .
مقتطف من محاضرة للدكتورة بوزيفي وهيبة يمكنكم الاطلاع عليها من خلال الضغط على العنوان التالي :
== / الجزائر في ظل الحكم التركي العثماني ( 1518م -1830م)
بغيت نمشي معا وحدة دبرولي
ردحذف